• عدد المراجعات :
  • 2315
  • 2/20/2015
  • تاريخ :

قابلية الائتمار والانتهاء

قول‌هايي که به راحتي پوچ مي‌شوند


لقد منح الله الانسان شيئاً من قدرته ومشيته المطلقة، وبعد خلق آدم ظهرت أولى مظاهر القدرة والاختيار والحرية في توجه الأمر والنهي إليه من قبل الله.

﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾(البقرة:35).

الأمر والنهي، كل ولا تأكل، إفعل ولا تفعل... كل ذلك يمكن تصوره في فرض الاختيار والارادة فقط. وإنما يقال للرجل ظالماً حيث يملك الحرية في العمل ويخرج على القانون بإرادته.

نستنتج من استعراض النماذج السابقة: إن الانسان يمتاز بمكانة خاصة من جهة الارادة والاختيار. فالحيوانات تنقاد للهداية التكوينية دون أي قيد أو شرط، وتنفذ أوامر الغرائز الكامنة فيها بجبر ودون أي قدرة على الخروج عليها. لكن الانسان حر في تنفيذ أوامر العقل. وهنا يجب أن لا نغفل نقطة مهمة هي: أن جسد الانسان وروحه، صورته ومعناه، عقله وإرادته، وبصورة موجزة: ذاته وجميع صفاته في قبضة القدرة الالهية. إنه مخلوق وجد بإرادة الخالق القاهرة، إنه موجود تمتع بالوجود بفضل إرادة موجده، وإن وجوده قائم به، والحرية الحقيقية، والاختيار الكامل إنما يكونان للخالق العظيم الذي تكون ذاته المقدسة وصفاته الكمالية قائمة بذاته الأزلية، والذي لا يحتاج إلى أحد، في حين أن الجميع يحتاجونه، وعلى هذا فان الانسان ليس مجبراً ولا مكتوف اليدين في أعماله لأن أفعاله مستندة إلى العقل والارادة وليس أسيراً للغرائز كسائر الحيوانات، ومن جهة أخرى فليس الانسان مختاراً مطلقاً وحراً بلا قيد أو شرط لأنه هو وحياته وجميع صفاته قائمة بذات الله تعالى، والمختار المطلق والقادر الحقيقي هو الله القائم بذاته، والانسان واقع في مرحلة وسطى بين المختار المطلق والمجبر المطلق.

يقول الامام الصادق عليه السلام: "لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين"١.

"... عن أبي الحسن الرضا، قال: قلت له: إن أصحابنا بعضهم يقول بالجبر وبعضهم يقول بالاستطاعة. فقال لي: أكتب، قال الله تعالى: يا ابن آدم، بمشيتي كنت أنت الذي تشاء، وبقوتي أديت إلي فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي"٢.

يستفاد من كلام الامام الرضا عليه السلام أن الانسان ليس مجبراً، لأنه يعمل باختياره ولكن اختياره يستند إلى الافاضة الالهية، فهو يملك إرادة بإرادة الله ويملك قدرة بقدرة الله، والعبارة الجامعة في هذا المقام هي الجملة التي يقولها أكثر المصلين في صلاتهم... (بحول الله وقوته أقوم وأقعد).

إذن فالنقطة الثانية التي يختلف فيها العقل عن الغريزة هي أن أوامر الغريزة تنفذ بصورة جبرية. بينما نجد أن الانسان حر في الانقياد إلى أوامر العقل.

التكامل اللامحدود
هناك فرق كبير بين الغرائز والعقل، وهو أن عدد الغرائز محدود وللتكامل الناشئ من الغرائز حد ثابت لا تتجاوزه ولكن الانسان يستطيع التدرج في مراتب الكمال بفضل عقله وحريته بدون أن يحد ترقيه حد معين، وكلما يتقدم يجد مجال التقدم والتكامل أمامه مفتوحاً. ولهذا السبب فان المجتمع الانساني كان ولا يزال يخطو الخطوات الواسعة في مجال التقدم في ظل عقله وتفكيره، مبتكراً في كل فن آلاف التحولات والتطورات في شوون الحياة المختلفة. أما الحيوانات السجينة في قلعة الغرائز فانها باقية في نفس الحد الذي كانت عليه قبل عشرات القرون ولم ترفع خطوة واحدة في سبيل الترقي والتكامل الجديد.

وبالرغم من أن الحيوانات مصونة من التعرض للانحراف والخطأ بفضل غرائزها، لكن الانسان معرض للخطأ والاشتباه مرة بعد أخرى، وهب أن الغرائز توجد أشد التنظيم وأدقه في حياة الحيوانات، ولكن الانسان لم يصل لحد الآن إلى تنظيم حياته الاجتماعية والعقلية بشكل مشابه لما هو موجود في غرائزه... بالرغم من هذا كله فان قيمة العقل لا يمكن أن تقاس مع الغريزة. إن الآلة الحاسبة تجيب على العمليات المحدودة الخاصة بها، وكذللك الغرائز الحيوانية فشأنها شأن الآلة الحاسبة في السرعة والمحدودية. إن ميزة العقل البشري على الغرائز الحيوانية هي بقدر ميزة عقل المهندس المخترع للآلة الحاسبة على الآلة نفسها، إن النتائج الحاصلة من الآلة الحسابة ليست ناشئة من الفكر والتدبر، وكذلك الحيوانات فإن أفعالها ليست على أساس الروية والتفكير.

"إن الحيوانات بالرغم من جهلها بنفسها وبيئتها، تجد طريق الوصول إلى مسالك الحقيقة بدقة عجيبة، أما الانسان فليس كذلك. وكأن الحياة اتخذت للتكامل في العالم طريقين مختلفين: أحدهما الغريزة والآخر الذكاء والارادة".

"إن جميع الموجودات ما عدا الانسان تملك شيئاً من العلم الفطري عن العالم وأنفسها. هذه الغرائز تقودها بشكل دقيق تماماً للوصول إلى الحقيقة. وعليه فلا تملك حرية خداعة. إن الموجودات التي تتميز بالعقل هي التي تخدع وتقبل التكامل في النتيجة. اما الحشرات فهي على عكس ذلك‘ تتميز بنظام جماعي ثابت لم يطرأ عليها التغيير منذ عشرات الالاف من السنين وحتى اليوم".

"إن أنثى الكلب على العكس من أنثى الانسان لا تخطىء في مراقبة صغارها أبدا، الطيور تعرف متى يجب أن تبني أعشاشها. والنحلة تعرف المواد الضرورية للملكة أو العمال أو الحرس. إن الحيوانات لا تملك حرية وذلك لأتوماتيكية الغريزة، ولذلك فهي لا تستطيع أن تعيش كما يعيش الانسان متمتعاً في أسلوب حياته بإرادته وحريته. إن الانسان لا يعرف بعد كيفية إدارة نفسه، ولم يوفق أبداً لبناء تمدّن الكمال التي يستطيع بها أن ينظم حياته الاجتماعية بنسبة الدقة الموجودة في تنظيم الغريزة لتجمع النحل. وعليه فإن جهودنا يجب أن تبذل بصورة رئيسية في دعم رصيدنا الروحي"٣.

شبکة المعارف الاسلامية

المصادر:

١- بحار الأنوار للمجلسي ج 3ص6.
٢- عيون أخبار الرضا ج 1ص144.
٣- راه ورسم زندكي ص:28.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)