• عدد المراجعات :
  • 1699
  • 1/6/2013
  • تاريخ :

ماذا فقدنا بعد الرسول صلى الله عليه وآله..؟

پيامبر اکرم

رۆية في الماضي والحاضربين التراث والتاريخ

هناك فرق بيّن، بين التاريخ والتراث

التاريخ: ذاكرة الأمس، وحركة سائرة إلى الإمام، لا تتوقف، ولا تتكرر أحداثها وإن بدت متشابهة في بعض أو اكثر ظواهرها، لذلك من الخطأ القول أن التاريخ يعيد نفسه، بل الصحيح أن نقول أن الأحداث والوقائع تتشابه في أطرها العامة وبعض فروعها بنسب متفاوتة، وربما تتطابق في بعض الأحايين، ولكن يبقى منفذوها وصانعوها وأبطالها مختلفين..

ونستطيع أن نمثل لذلك بالأحداث التي جرت لرسول الله(ص) و لأمير المۆمنين(ع) عند توقيع وثيقة الصلح مع قريش (صلح الحديبية) وعقد الهدنة مع معاوية (بعد وقعة صفين)، وكيف أن قريشاً ومعاوية أصرا على كتابة اسمي الرسول والإمام صلوات الله عليهم مجرداً عن الرسالة والإمامة، فالأحداث في مفصلها هذا تحديداً وإن بدت متشابهة إلى درجة التطابق، إلا أن مكانها وأطرافها تبقى مختلفة.

والتراث: هو محصلة مجموع العقائد والعلوم والقيم والآداب والتقاليد والفنون التي تراكمت في ذاكرة التاريخ. وهو أيضاً محصلة جهود الماضين وابداعاتهم، وأدوار العظماء وصياغاتهم، فإليهم يعود بناء مجد الأمة وتاريخها وعزها، وعلى سيرتهم يأمل ترميم كيانها، فالبطل هو الذي يصنع تاريخ أمته وهو الذي يسيطر على اكبر مساحة واقعية في ذاكرتها.

وإذا أريد لهذه الأمة أن تحصل على موضع قدم في عالم تتحكم في عمالقة وتكتلات فلا مفر إلا بالعودة إلى السيرة العطرة لرسول الإنسانية محمد(ص) والتراث العظيم الذي تركه لنا والذي ينسجم مع نواميس الكون إلى قيام الساعة، فهو الوحيد الذي يمدنا بعناصر القوة، ويرسم لنا الصورة المستقبلية لأمة الغد.

وإذا نظرنا إلى الحقبة آنفة الذكر ـ تحديداً ـ نظرة موضوعية، وحددنا مفاصلها الحية وجوانبها المضيئة، وأخذنا بها وسرنا على نهجها لأمكننا ترميم الكثير من تداعياتنا وعلاج العديد من عللنا.

ربما نختلف في نظرتنا للحكومات التي جاءت بعد حكومة رسول الله (ص) ، ولكننا نتفق على أن حكومة الرسول (ص) هي المثال الذي لا يرقى إليه الشك، والمعيار الأول عند الحكم على الأشياء والنظائر، فالاقتداء يحب أن يقف عند حدود هذه الحقبة وإطارها التاريخي ولا يتعداها إلى حدود مختلف عليها، كما أن أي استهانة بهذه السيرة والسنة لا يزيد وضعنا إلا سوءاً، ويضعنا أمام خيار الالتجاء إلى تقليد آخرين لا يمتون إلى واقعنا الإسلامي بصلة قريبة أو بعيدة.

دعوة لإحياء الذاكرة أولا: كمرحلة أولى نحن بأمس الحاجة إلى تنشيط الذاكرة وتخزينها بأكبر كمية من المعلومات والأحداث وخصوصاً تلك التي ترتبط بواقع امتنا وتنمي فيها روح التحمل والمثابرة لتحقيق أهدافها.

فالغالبية ما زالت تجهل ابسط المعلومات عن رسول الإسلام (ص) ، وحتى الذين يفتخرون بأنهم يحيطون بكل الجوانب التي عاشها النبي الأكرم (ص) كثيراً ما يبالغون فيما يحملون، ولو دققنا جيداً في جميعهم لرأيناها تحوي معلومات ضحلة أو محرفة صاغتها بعض الجهات الدخيلة والمريضة لتشويه الصورة النقية لنبي الإسلام محمد(ص) .

فهذه مناهج مدارسنا وجامعاتنا وعقول رجال إعلامنا وخطبائنا لو فتشنا مخزونها وتجولنا في ذاكرتها بتأني لما وجدنا فيها غير زوايا ضيقة جداً متناثرة هنا وهناك لا تفتح إلا في مناسبات خاصة وخاطفة. في حين أننا لو بحثنا عن هوامش الأشياء وطفيلياتها في ذاكرة عموم الأمة لأمكننا الحصول على سيل عظيم من المعلومات ، وبعض هذه المعلومات ساعدت بصورة أو بأخرى على عزل تاريخ الأمة الناصح في زوايا النسيان وقلبت الحقائق واخفت العديد من المعلومات الحيوية.

لذا يجدر بنا أولا وقبل كل شيء تفتيت كتل المعلومات السلبية والهامشية واحياء ذاكرتنا وتنشيطها بمعلومات إضافية دقيقة..

ودعوة للإقتداء ثانياً: لا شك أن المعلومات جيدة إن هي صبت في اتجاه العمل والسلوك الحياتي فالحق تعالى يقول: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب، 21، وفي آية أخرى يقول سبحانه عن لسان النبي (ص) : ( إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) آل عمران 31، وإلا نكون كالذي يحمل أسفارا وهو لا يعمل بها أو ذلك الذي يحفظ القرآن ويتلوه بدون وعي أو تدبر واتباع فيلعنه الله والتاريخ، (رب تال للقرآن والقرآن يلعنه) (1).

المطلوب منا جميعاً تلمس الضوء في حياة النبي(ص) لنقف عندها طويلاً قبل استنباط الأحكام واتخاذ المواقف، فكل وقفه في حياته (ص) فيها من العبر والدروس الشيء الكثير ولا يمكن تخطيها بسهولة والعبور من حولها أو تركها جانباً ــ بحجة فيها ما يخالف أذواقنا وطموحاتنا ــ أنها سلسلة مترابطة تكمل بعضها البعض، إنها منهاج حياة علينا اقتناء أثرها والتأسي بها واتباعها خطوة خطوة دون التفريط بجزئياتها.

فالكثير من الجزئيات هي في الحقيقة قواعد ثابتة وسنن خالدة ترسم لنا طرق العمل ومناهج التحرك على مختلف الصعد، فليس سنة النبي(ص) منحصرة في طريقته في الحياة الفردية والاجتماعية أو أسلوبه في نظام الحكم فقط وإنما السنة تشمل كل حركة وسكنة وهمسة بل وحتى نظرات عينيه(ص) واشارات حاجبيه، وقصته(ص) مع عبد الله بن سعد درس عملي لكل القادة، وذلك عندما دخل عليه عبد الله بن سعد مع عثمان بن عفان وكان النبي قد أهدر دم عبد الله فقال النبي لمن حوله لماذا لم يقم بعضكم فيضرب عنقه فقال له رجل من الأنصار: فهلا أومأت يا رسول الله؟ قال(ص) (إن النبي لا يقتل بالإشارة) (2) من عينيه أو حاجبيه، فخائنة الأعين محرمة على الأنبياء.

ما الذي نريده من السيرة؟

تحفل السيرة النبوية بصور رائعة ومواقف جمة في شتى الجوانب الحيوية الشخصية والاجتماعية لنبي الإسلام(ص) ، فما يتعلق بتكوينه الذاتي يتحدد في الأربعين سنة الأولى من حياته، وهي الأرضية التي منحته صفاته الخَلقية والخُلقية وهيئاته لتحمل أعباء المسۆولية بجدارة وتفوق، ونحن هنا لا نريد الخوض في هذا الفاصل الزمني مع سعته وتشعبه، غير أن الذي يهمنا اكثر ونحن نمر في ظروف غير طبيعية، الفترة التي تعرف (بعد البعثة) لما تحتوي من دروس وعبر لكل العاملين في الحكم وخارجه أفرادا وجماعات.

وهذه تنقسم إلى قسمين قبل فتح مكة، وبعدها أو ما يعرف بفترة الجهاد التأسيس ومعارضة قريش، وفترة تسلمه (ص) قيادة الأمة، وسوف نسلط الأضواء على هذين المحورين بشيء من التفصيل.

النبي قبل فتح مكة

منذ أن جهر رسول الله(ص) برسالته وقريش وحلفاۆها أعلنت ضده حرباً لا هوادة فيها استعملت فيها جميع العيارات والأساليب والحيل والطرق.

تارة بالكلام: فقالوا عنه، شاعر ساحر، مجنون، ولعل كلمة ساحر اكثر الألفاظ التي راجت عند عموم قريش حيث جاءت بعد أن استمع الوليد بن المغيرة إلى رسول الله(ص) وهو يتلو القرآن فقالوا له ما تقول يا أبا عبد شمس، فقال: قولوا هذا سحر، وإلى هذا الحدث أشارت الآيات 11-28 من سورة المدثر فقالت عنه ( فقال إن هذا إلا سحر يۆثر) .

وتارة بالإغراء: حيث عرضوا عليه مالاً وفيراً وامتيازات عديدة مقابل تركه أمر تبليغ الرسالة، ووسطوا في ذلك بدايةً عتبة بن ربيعة واتبعوه بعمه (أبو طالب(ع) ) ولم يتركوا رسول الله حتى سمعوا قولته المشهورة التي نقلها لهم أبو طالب (...يا عم! والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا القول حتى أنفذه أو أُقتل دونه...) (3).

وتارة بالاضطهاد: فقد استعملوا ضده شتى ألوان الاضطهاد

رجموا بيته بالحجارة.

ألقوا رحم الشاة المذبوحة للأصنام عليه.

ألقوا النجاسات أمام داره.

وضعوا الشوك في طريقه.

ألقوا التراب على رأسه.

ضربوه وخنقوه اكثر من مرة.

سلطوا الصبيان عليه يرمونه بالحجارة (4).

وتارة بالمقاطعة: فبعد أن أخفقت في أساليبها السالفة أعلنت قريش مقاطعتها للنبي(ص) وأصحابه، فكتبت صحيفة علقت داخل الكعبة تضمنت بنود مقاطعة بني هاشم جميعاً وحصرتهم في شعب أبي طالب، وتجردت عن إنسانيتها فمنعت عنهم الطعام، وجراء هذه الشدة والقسوة توفي أبو طالب وخديجة فعرف ذلك العام بعام الحزن.

ومع كل ذلك كان رسول الله(ص) ثابتاً على إيمانه، صابراً على الأذى يرد الإساءة بالإحسان (اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون).

ينقل منيب بن مدرك بن منيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله(ص) في الجاهلية وهو يقول: يا أيها الناس! قولوا لا اله إلا الله تفلحوا.

فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثى عليه التراب، ومنهم من سبّه، فأقبلت جارية بعس من ماء فغسل وجهه ويديه وقال: يا بنية! أصبري ولا تحزني على أبيك غلبة ولا ذُلاً. فقلت من هذه؟ فقالوا: زينب بنت رسول الله(ص) وهي جارية وصيفة (5).

وعن ابن مسعود قال: كأني أنظر إلى رسول الله(ص) يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) (6).

وربما قوله(ص) (ما أوذي نبي بمثل ما أُوذيت) (7) لا يستثني أي أسلوب مورس ضده كما أن كلامه(ص) إلى الخبّاب بن الارت عندما طلب منه أن يدعو على قومه فقال له: (قد كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) (8) يظهر قوة واستعداد النبي(ص) لتحمل الأذى والصبر على الناس وطول البال وضبط النفس وهي أمور فقدتها ساحاتنا الخاصة والعامة ولم تعد منظوره أو مسموعة من أي جهة معارضة أو حاكمة.

اعداد: سيد مرتضى محمدي

المصادر:

1 ـ سنن البيهقي، ج7، ص45.

2 ـ سنن النبي، ص56.

3 ـ سيرة ابن هشام، ج2، ص279.

4 ـ بحار الأنوار ج85، ص184.

5 ـ سيرة ابن هشام، ج4، ص52.

6 ـ مجمع البيان، ج8، ص465.

7 ـ السيرة الفواحة للإمام الشيرازي، ص20.

8 ـ ذلكم النبي محمد (ص)، ص177.


صفة النبيّ (ص) في التوراة والإنجيل

كيفية تعليم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أول جمعة 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)