• عدد المراجعات :
  • 1649
  • 6/6/2011
  • تاريخ :

مقارنة بين صنع الله وصنع البشر لتوضيح معنى المعرفة الفطرية(1)

الورد

 

ما أكثر الأفراد الذين استفادوا من كنز المعرفة الفطرية عندهم بفضل إيمانهم ووعيهم، وتوصلوا إلى وجود الله الخالق الحكيم عن طريق التفكير والتدقيق في ية أو عدة يات الهية، ووقفوا خاضعين له في مقام العبودية مطيعين أوامره ونواهيه... وعلى العكس فما أكثر الأفراد الذين لم يلتفتوا لنداء الفطرة المنبعث من أعماقهم وتجاهلوا الحقيقة، ولم يتوفقوا لعبودية الله والخضوع له حتى يوماً واحداً، طيلة حياتهم. وكذلك ما أكثر الأفراد الذين حاولوا إحياء المعرفة الفطرية في نفوسهم، ولكنهم ضلوا عن الطريق المستقيم، وعبدوا الجماد والنبات والحيوان، أو الشمس والقمر والنجوم بدلاً من خالق الكون.

ولأجل أن يتضح معنى المعرفة الفطرية للقراء الكرام أكثر نعقد مقارنة بين صنع الله وصنع البشر من حيث الدلالة على وجود الصانع ونتوصل ضمن المقارنة إلى بعض النتائج المفيدة.

إن القرن الكريم يرى في الكون والموجودات كلها أنها صنع الله وتنظيمه... (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)(النمل:88). إذن فالله تعالى هو صانع العالم وجميع الموجودات مصنوعة له.

ولقد استعمل القرن الكريم مادة الصنع بالنسبة إلى أعمال البشر أيضاً في عدة مواضع، فقال في موضوع سفينة نوح: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ...)(هود:38). وفي قصور فرعون والفراعنة يقول: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ)(الأعراف:137). وفي الأشياء السحرية التي صنعها سحرة مصر لمعاندة موسى (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا)(طه:69). وفي صنع داود للدروع: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ)(الأنبياء:80).

إذن فان جميع الطائرات والسيارات والمعامل واللات والأدوات وجميع ما كونه البشر يكون من صنع الانسان كما أن جميع ما في العالم صنع الله، مع فارق واحد هو: أن الله يخلق المادة والصورة معاً، بينما الانسان يصنع المادة التي خلقها الله بالصورة التي يريدها.

ومن هذه المقارنة بين صنع الله وصنع الانسان نصل إلى بعض النكات التي تتعلق بموضوع بحثنا وهي:

الأثر يدل على المؤثر:

يدرك الانسان بصورة فطرية أن لكل مصنوع صانعاً، كما يدرك كل فرد مثقفاً كان أو أمياً، وحشياً أو متمدناً أن للطائرة والسيارة صانعاً صنعهما، وان للعمارات الصغيرة والضخمة بانياً بناها، ولقد كانت القبائل الوحشية تدرك هذا الموضوع أيضاً، فعندما كان أحد يرى ثار أقدام إنسان أو حيوان في صحراء واسعة مغطاة بالثلوج، كان يقطع بأن إنساناً أو حيواناً قد عبر من تلك المنطقة. وإذا صادف كوخاً صغيراً وسط صحراء قاحلة قائماً على بعض قطع الأخشاب والأشواك كان يحكم بوجود صانع لذلك الكوخ، وبالنسبة إلى الكون الذي هو صنع الله تعالى يوجد في فطرة كل إنسان هذا النوع من الادراك. فعندما يشاهد شروق الشمس والقمر وغروبهما، وعندما يرى الربيع واخضرار الأشجار أو الخريف واصفرار أوراقها، وعندما يلتفت إلى الرعد والبرق والمطر يحس في وجدانه الباطني أن قوة عظيمة وثابتة هي التي أوجدت هذا النظام فيميل إلى البحث عن مصادر هذه القوة. هذا الادراك الطبيعي الموجود في باطن جميع الأفراد بقلم القضاء الالهي هو تلك المعرفة الفطرية التي يعبر عنها الامام عليه السلام بأنها ليست اكتسابية وأنها مخلوقة من قبل الله في باطن كل فرد.

المعرفة الاجمالية والايمان التفصيلي:

إن كل فرد يدرك بفطرته أن للطائرة النفاثة صانعاً، وكل فرد يدرك بصورة طبيعية أن للقاح الخناق الذي يخلص لاف الأطفال من الموت الحتمي مخترعاً، ولكن هذا لا يكفي في نظر جميع العقلاء والعلماء في الاشادة بفضل مهندس مخترع أو طبيب مكتشف. فلو أرادت دولة أو أمة أن تحترم جهود هؤلاء الذين خدموا البشرية يجب عليهم أن يتجاوزوا دور المعرفة الجزئية إلى مرحلة أرقى، وهي ذكر أسماء المخترعين وهوياتهم وتشجيعهم عن طريق تقديم الهدايا والجوائز إليهم.

وهكذا يدرك كل فرد بفطرته أن لهذا العالم الفسيح خالقاً وأن لهذا الأثر العظيم والعجيب مؤثراً، ولكن لا يكفي هذا في مقام الشكر لله تعالى وتعظيمه. بل يجب أن يخطو الانسان خطوة أوسع ويطلع على ثار قدرة الله ويؤمن به، ويشكره للنعم الكثيرة التي لا تحد ولا تحصى، وإن الفطرة الأولى لا تحتاج إلى معلم، والأنبياء جاءوا لهداية البشر في المرحلة الثانية.

عدم تقدير الجهود

وبالرغم من أن الناس يستفيدون من مصنوعات بني جنسهم بصور شتى لكن القليل منهم يقدر جهود العلماء والمهندسين الذين صنعوا تلك المصنوعات، إن باستطاعة المريض المشرف على الهلاك أن يركب طائرة ويصل في ظرف بضع ساعات إلى أرقى المستشفيات في العالم وتجرى له عملية جراحية وينجو من الموت والألم. هذا المريض يعلم أنه لو لم تكن الطائرة، ولو لم يكن العقار المخدر، ولو لم تكن العقاقير المطهرة للجراثيم... ولو لم تكن عشرات الاختراعات العلمية فانه يموت... إن المريض يدرك بفطرته أن لكل من هذه المخترعات مخترعاً، ولكنه في سبيل العلاج والتطبيب لا يفكر إلا في نفسه والمنافع التي يحصل عليها من تلك الاختراعات غافلاً عن المهندسين العظماء والمخترعين الكبار الذين أوجدوا تلك الصنائع، ولا يتذكرهم في مقام تقدير جهودهم.

ما أكثر الأفراد الذين استفادوا من كنز المعرفة الفطرية عندهم بفضل إيمانهم ووعيهم، وتوصلوا إلى وجود الله الخالق الحكيم عن طريق التفكير والتدقيق في ية أو عدة يات الهية، ووقفوا خاضعين له في مقام العبودية مطيعين أوامره ونواهيه... وعلى العكس فما أكثر الأفراد الذين لم يلتفتوا لنداء الفطرة المنبعث من أعماقهم وتجاهلوا الحقيقة، ولم يتوفقوا لعبودية الله والخضوع له حتى يوماً واحداً، طيلة حياتهم. وكذلك ما أكثر الأفراد الذين حاولوا إحياء المعرفة الفطرية في نفوسهم، ولكنهم ضلوا عن الطريق المستقيم، وعبدوا الجماد والنبات والحيوان، أو الشمس والقمر والنجوم بدلاً من خالق الكون.

ولأجل أن يتضح معنى المعرفة الفطرية للقراء الكرام أكثر نعقد مقارنة بين صنع الله وصنع البشر من حيث الدلالة على وجود الصانع ونتوصل ضمن المقارنة إلى بعض النتائج المفيدة.

إن القرن الكريم يرى في الكون والموجودات كلها أنها صنع الله وتنظيمه... (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)(النمل:88). إذن فالله تعالى هو صانع العالم وجميع الموجودات مصنوعة له.

ولقد استعمل القرن الكريم مادة الصنع بالنسبة إلى أعمال البشر أيضاً في عدة مواضع، فقال في موضوع سفينة نوح: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ...)(هود:38). وفي قصور فرعون والفراعنة يقول: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ)(الأعراف:137). وفي الأشياء السحرية التي صنعها سحرة مصر لمعاندة موسى (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا)(طه:69). وفي صنع داود للدروع: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ)(الأنبياء:80).

إذن فان جميع الطائرات والسيارات والمعامل واللات والأدوات وجميع ما كونه البشر يكون من صنع الانسان كما أن جميع ما في العالم صنع الله، مع فارق واحد هو: أن الله يخلق المادة والصورة معاً، بينما الانسان يصنع المادة التي خلقها الله بالصورة التي يريدها.

ومن هذه المقارنة بين صنع الله وصنع الانسان نصل إلى بعض النكات التي تتعلق بموضوع بحثنا وهي:

الأثر يدل على المؤثر:

يدرك الانسان بصورة فطرية أن لكل مصنوع صانعاً، كما يدرك كل فرد مثقفاً كان أو أمياً، وحشياً أو متمدناً أن للطائرة والسيارة صانعاً صنعهما، وان للعمارات الصغيرة والضخمة بانياً بناها، ولقد كانت القبائل الوحشية تدرك هذا الموضوع أيضاً، فعندما كان أحد يرى ثار أقدام إنسان أو حيوان في صحراء واسعة مغطاة بالثلوج، كان يقطع بأن إنساناً أو حيواناً قد عبر من تلك المنطقة. وإذا صادف كوخاً صغيراً وسط صحراء قاحلة قائماً على بعض قطع الأخشاب والأشواك كان يحكم بوجود صانع لذلك الكوخ، وبالنسبة إلى الكون الذي هو صنع الله تعالى يوجد في فطرة كل إنسان هذا النوع من الادراك. فعندما يشاهد شروق الشمس والقمر وغروبهما، وعندما يرى الربيع واخضرار الأشجار أو الخريف واصفرار أوراقها، وعندما يلتفت إلى الرعد والبرق والمطر يحس في وجدانه الباطني أن قوة عظيمة وثابتة هي التي أوجدت هذا النظام فيميل إلى البحث عن مصادر هذه القوة. هذا الادراك الطبيعي الموجود في باطن جميع الأفراد بقلم القضاء الالهي هو تلك المعرفة الفطرية التي يعبر عنها الامام عليه السلام بأنها ليست اكتسابية وأنها مخلوقة من قبل الله في باطن كل فرد.

المعرفة الاجمالية والايمان التفصيلي:

إن كل فرد يدرك بفطرته أن للطائرة النفاثة صانعاً، وكل فرد يدرك بصورة طبيعية أن للقاح الخناق الذي يخلص لاف الأطفال من الموت الحتمي مخترعاً، ولكن هذا لا يكفي في نظر جميع العقلاء والعلماء في الاشادة بفضل مهندس مخترع أو طبيب مكتشف. فلو أرادت دولة أو أمة أن تحترم جهود هؤلاء الذين خدموا البشرية يجب عليهم أن يتجاوزوا دور المعرفة الجزئية إلى مرحلة أرقى، وهي ذكر أسماء المخترعين وهوياتهم وتشجيعهم عن طريق تقديم الهدايا والجوائز إليهم.

وهكذا يدرك كل فرد بفطرته أن لهذا العالم الفسيح خالقاً وأن لهذا الأثر العظيم والعجيب مؤثراً، ولكن لا يكفي هذا في مقام الشكر لله تعالى وتعظيمه. بل يجب أن يخطو الانسان خطوة أوسع ويطلع على ثار قدرة الله ويؤمن به، ويشكره للنعم الكثيرة التي لا تحد ولا تحصى، وإن الفطرة الأولى لا تحتاج إلى معلم، والأنبياء جاءوا لهداية البشر في المرحلة الثانية.

قد يقف الخطيب في قاعة ضخمة ويلقي محاضرة على عشرات الألوف من المستمعين موصلاً صوته إليهم بواسطة جهاز تكبير الصوت وهو يدرك بفطرته أن لهذا الجهاز صانعاً ولولاه لما استطاع أن يوصل صوته إلى هذا العدد الضخم من الناس. ولكنه غافل عن معرفته الفطرية ولا يتنبه إلى مخترع هذا الجهاز أصلاً، بل يفكر في رغبته فقط ويتنبه إلى وصول صوته إلى أكبر عدد ممكن من الناس فحسب.

إن موقف البشر تجاه صنع الله تعالى وتجاه عظمته في تدبير شؤون الكون يشبه الموقف السابق. فجميع الناس يستفيدون من نعمه التي لا تعد ولا تحصى كل يوم، وكلهم يدركون أن لهذا الخلق خالقاً، ولكل مصنوع صانعاً فبعضهم يقدرون عظمة الخالق ويشكرونه على نعمه ولكن البعض الآخر يتنكرون له ولا يعترفون له بالجميل والفضل والانعام...

هذا وإن الجميع يعلمون أن هذه الغفلة وعدم تقدير جهود المخترعين والمنشئين لا يغيران من الواقع شيئاً: فلكل مصنوعٍ صانع ولكل أثرٍ مؤثر.

إن موقف البشر تجاه صنع الله تعالى وتجاه عظمته في تدبير شؤون الكون يشبه الموقف السابق. فجميع الناس يستفيدون من نعمه التي لا تعد ولا تحصى كل يوم، وكلهم يدركون أن لهذا الخلق خالقاً، ولكل مصنوع صانعاً فبعضهم يقدرون عظمة الخالق ويشكرونه على نعمه ولكن البعض الآخر يتنكرون له ولا يعترفون له بالجميل والفضل والانعام...

العالم الالهي والعالم المادي كلاهما يلاحظان النظام الدقيق في الكون وكلاهما يدركان أسرار الحكمة والعظمة في العالم... مع فارق كبير بينهما هو أن العالم المادي يرى النظام فقط، أما العالم الالهي فانه يرى النظام والمنظم معاً. وفي نفس الوقت الذي يهتم فيه بدقائق صنعه، وشواهد عظمته يتجه إلى عظمة الخالق ويقف خاضعاً تجاه مقامه المنيع مقدماً مراسيم الشكر والثناء والاعتراف بالجميل.

الطفل بين الوراثة والتربية، محمد تقي فلسفي


مناظرة الشيخ المفيد مع بعض فقهاء العامّة في حكم الإجتهاد والتصويب

مناظرة السيد محمد تقي الحكيم مع بعض علماء الأزهر في حكم

مناظرة الدكتور التيجاني مع بعض أهل السنّة في أمر بعض الصحابة

مناظرة محمد بن أبي بكر مع معاوية

الماركسية واللاأخلاق

طريقة إثبات الإسلام والشرائع السابقة

علم الكلام و رصد الحركات الإلحادية

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)