• عدد المراجعات :
  • 2233
  • 10/9/2010
  • تاريخ :

حافظ الشيرازي - الشاعر العارف

حافظ الشيرازي

حافظ من بين الشعراء الذين تعرضوا لهجوم كاسخ من اقلام و ألسنه هؤلاء‌ غير المنصفين او الجاهليه بلغه العرفان، بل و بالحياه العرفانيه التي لا يدركها الا اهلها. و راح الكثير من هؤ‌لاء يشككون في عرفانيه هذا العارف الكبير من خلال التأشير علي المفردات و الألفاظ الوارده في شعره و التي يفهمون منها معان اخري لاصله لها بالعرفان، بل و ربما تصب –من وجهه نظرهم- في وديان اللاتدين، و الانغماس في الملذات، و اتباع الهوي.

لاشك ان العرفان يشكل غرضاً مهماً من اغراض الشعر الفارسي، و اذا كان «الحب» يؤلف الغرض الاكبر في هذا الشعر،

 

شخصيته العرفانيه

لاشك ان العرفان يشكل غرضاً مهماً من اغراض الشعر الفارسي، و اذا كان «الحب» يؤلف الغرض الاكبر في هذا الشعر، فان العرفان و الشعر يكمل كل منهما الآخر، و لا يستغني احدهما عن الثاني، ذلك لان الحب هو اساس العرفان، و لا يمكن للعارف ان يعرف الله تعالي دون ان يملأ حب الله جوانحه و يملك عليه لبه. و لهذا لا غروان نري ثلثي العرفاء الايرانيين هم من الشعراء. فسنائي و العطار و جلال‌الدين عرفاء لاشعراء، و سعدي و حافظ شعراء عرفاء.

و من الطبيعي ان لكل عدم اصطلاحاته الخاصه به، و لا يشذ العرفان عن هذه القاعده، فله اصطلاحاته الخاصه و لغته الخاصه القائمه علي الرمزيه في اغلب الاحيان. و لاشك ان النزوع نحو الرمزيه في التحدث عن مكنونات الفكر و القلب- و لاسيما في موضوع حساس كالعرفان – يمنح الشاعر الحريه في التحدث و الانطلاق بشكل اكبر في آفاق الخيال و اضفاء المزيد من الصور و الملامح الفنيه. كما انه اسلوب يحتمي به الشاعر من كل ما يمكن ان يفسر علي انه رياء‌ و نفاق، فضلاً عن انه يبعده عن المخاطر التي يمكن ان تترتب علي الكلام الصريح، لاسيما في تلك العصور التي كان يتهم فيها المرء علي كلامه بشتي التهم و التي قد يدفع حياته ضريبه لها.

و اذا ما اراد احدنا ان يتحدث عن عارف مثل حافظ، فلابد ان نلقي علي انفسنا هذا السؤال: ما هي الخطوات التي خطوناها نحن في وادي السير و السلوك، حتي نتحدث عن عارف كبير مثل حافظ؟

انها قضيه شاقه جداً ان يتحدث احدنا عن حافظ او مولوي او ابن عربي او ابن الفارض، لان هؤلاء كانوا يعيشون عالما لم نعشه نحن و يسلكون وادياً لن نسلكه و يبصرون اشياء لم نبصرها، لهذا ليس بامكاننا ان نفهم اللغه التي يتحدثون بها او خاصه و عبارات لا يستوعبها فكرنا القاصر و لا افقنا المحدود. و لهذا قد يلجأ البعض رمي هذا بالزندقه و ذاك بالتمرد علي الشريعه و ثالث بمعاقره الخمر و الركون الي لذائذ الحياه، اعتماداً علي المصطلحات و المفردات التي يستخدمها هؤلاء في اشعارهم و كتاباتهم، ناسين او لهؤلاء لغه خاصه لا نفهمها نحن، و ان لدينا افقاً فكرياً و نفسياً يضيق عن استيعاب هذه المفردات و فهمها.

كان حافظ من بين الشعراء الذين تعرضوا لهجوم كاسخ من اقلام و ألسنه هؤلاء غير المنصفين او الجاهلين بلغه العرفان، بل و بالحياه العرفانيه التي لا يدركها الا اهلها و راح الكثير من هؤلاء يشككون في عرفانيه هذا العارف الكبير

و كان حافظ من بين الشعراء الذين تعرضوا لهجوم كاسخ من اقلام و ألسنه هؤلاء غير المنصفين او الجاهلين بلغه العرفان، بل و بالحياه العرفانيه التي لا يدركها الا اهلها. و راح الكثير من هؤلاء يشككون في عرفانيه هذا العارف الكبير من خلال التأشير علي المفردات و الألفاظ الوارده في شعره و التي يفهمون منها معان اخري لا صله لها بالعرفان، بل و ربما تصب - من وجهه نظرهم- في وديان اللاتدين، و الانغماس في الملذات، و اتباع الهوي، و غير ذلك من مخترعات اخترعتها افكارهم القاصره و لصقوها به!

و يختلف شاعرنا العارف في فهمه للشيخ او المرشد عن فهم المتصوفه بل و حتي العرفاء الذين عاصروه او سبقوه. فالمرشد من وجهه النظر الصوفيه معني "الامام الذي لا يمكن للسالك ان يصل الي الحق بدونه و تستعمل مفردات القطب و المراد و الولي و الغوث عند الصوفيه، بهذا المعني ايضاً. و يعد ارتداء الخرقه علي يد الشيخ الخطوه الاولي علي طريق الدخول الي دائره التصوف، و الشيخ هو بمثابه قطب دائره الامكان و المتصدي لتربيه و تهذيب السالك و ايصاله الي الحق. و لهذا فان اوامره مطاعه و متبعه بدون ادني اعتراض"(1).

غير ان فهم حافظ للشيخ او المرشد لم يكن فهماً بسيطاً، لانه لم يفكر وفق العاده و العرف، بل خلافاً له في الغالب. فقد تميز بالفكر الاصيل و الروح الحذره، و لهذا كان يقيم القيم و المثل السائده في عصره و يزنها في ميزان طبعه النقاد و معيار ذهنه الوقاد. فلم يكن من اولئك الذين يطأطئون رؤوسهم و يحنون رقابهم امام الافكار و العادات السائده ما لم يدركوا انسجامها مع العقل و الشرع.

ان فهم حافظ للشيخ او المرشد لم يكن فهماً بسيطاً، لانه لم يفكر وفق العاده و العرف، بل خلافاً له في الغالب، فقد تميز بالفكر الاصيل و الروح الحذره،

كان حافظ يبحث اولاً و قبل اي شيء عن الدليل، الذي يولد لديه القناعه الكافيه للايمان او عدم الايمان بفكره او قيمه او ظاهره ما، و لهذا كان يؤمن بالمرشد او الشيخ، لكنه لم يكن يؤمن بأغلب شيوخ عصره الذين اتخذوا من الخانقاه مصيده للآخرين. و لما كان حافظ و فناناً –و الفنان يتميز بطبع خلاق- و لما كان عارفاً- و العارف يخلق بهمته ما يشاء –نراه ينبري لخلق ذلك الشيخ الذي كان يبحث عنه، و الذي يمكن ان نسميه «الشيخ المثالي».

فالثوره الفكريه لدي حافظ تتجلي في انه و بدلاً من ان يكون تلميذاً للشيخ، لجأ الي تربيه الشيخ في حجر فنه.

و الخرفه التي تعد اهم ذكريات الصوفي و ثروته المقدسه، قد يجدها حافظ ملوثه بالخمر، او بالعجب و الرياء. و كان يري في اغلب الاحيان ان هذه الخرقه تستحق الحرق(4). و كان رأيه هذا نابعاً عن طبيعته التي تمقت التصنع و التظاهر و الانشداد الي المظاهر دون البواطن، و اتخاذ الزهد او التدين من قبل البعض وسيله لتحقيق بعض الاغراض.

فهو يؤمن ان المرء يجب ان يتغير من داخله، و ان ينعكس ذلك التغير علي سلوكه و تعامله من نفسه اولاً و مع الآخرين ثانياً. اذ ان الانسان لم يخلق عبثاً، بل ان له دوراً ساميا يجب ان يؤديه علي احسن وجه و انصع صوره، و لا يمكن له ان يؤدي هذا الدور اذا حاول ان يلتصق بالقشور دو الألباب، او يخدع الناس من خلال الزي او السلوك ناسياً انه لن يخدع الله تعالي، و انه سبحانه مطلع علي ضميره و خبايا نفسه.

و لهذا كان يقول كلمه الحق، و لا يتردد عن توجيه اي انتقاد مهما كان لاذعاً الي الممارسات و السلوكيات الخاطئه التي شهدها عصره حتي ولد ارتدت لباس التصوف او الدين او بتعبير آخر حتي لو تظاهرات بالطريقه و الشريعه، و كان يميل في اغلب الاحيان الي استخدام السلاح الساخر في توجيه انتقاداته لما لهذا السلاح من تأثير كبير يفوق استخدام الكلمه الجديه الموجهه بشكل مباشر. فكان ينتقد باستمرار و باسلوب الفكر الساخر ما كان يتعرض له الدين من فساد و تشويه في عصره بسبب بعض الممارسات التي تنسب ظلماً الي الدين، لهذا كان يرفع عقيرته صائحاً:

ستحرق نار زهد الرياء بيدر الدين

لهذا نقول بثقه ان شاعرنا كان عارفاً نقاداً ذكياً، و لم يكن من نمط العرفاء او المتصوفه الذين اتخذوا من التصوف او العرفان مهنه او وسيله. و اذا ادعي احد ان حافظ كان يتعارف يكون قد اساء الي العرفان من جهه، و برهن علي جهله بحافظ من جهه اخري.

كان حافظ يبحث اولاً و قبل اي شيء عن الدليل، الذي يولد لديه القناعه الكافيه للايمان او عدم الايمان بفكره او قيمه او ظاهره ما، و لهذا كان يؤمن بالمرشد او الشيخ، لكنه لم يكن يؤمن بأغلب شيوخ عصره الذين اتخذوا من الخانقاه مصيده للآخرين.

فقصائده العرفانيه نابضه بالحياه و لا يمكن لاحد ان ينشد مثل هذه القصائد الحيه اذا لم يكن قد عايش العرفان و جربه. فهل يمكن ان تكون الابيات التاليه قد صدرت عن غير معايشه؟:

«منذ سنين و القلب يطلب منا كأس جم»

«انقذوني عند السحر من الغصه»

«رأيت في الليله الماضيه الملائكه تقرع باب الحانه»

«ايها الجاهل اسع كي تكون عالماً»

فكان حافظ يهرب عن التصوف الرسمي و يحتمي بحصن العرفان الحقيقي الذي كان ينظر اليه من منظاره الخاص غير المتأثر بالحاله السائده او القيم المهيمنه علي الافق العرفاني آنذاك:

يهرب حافظ من الخانقاه الي الحانه فهل صحا من سكر زهد الرياء؟

----------------------------------------------------

الهوامش:

1- فرهنگ (معجم) اشعار حافظ، رجائي بخارائي، ص 88.

2- حافظ، بهاءالدين خرمشاهي، ص 171.


خواجه حافظ الشيرازي

هوية الشعر الايراني

مدينة شيرازفي سطور

الاماكن السياحية في فارس

الحب الالهي في اشعار حافظ

حافظ في کلام شهيد مطهري

وقفة عند غزليات حافظ الشيرازي

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)