ثم أخذ المصاحَبُ يشرح أسرار أفعاله وقال: أمّا خرقُ السفينة فلاَجل أنّها كانت لمساكين، وكان أمامَهم ملكٌ يأخذ كلُّ سفينة غصباً فأردتُ أن أعيبها حتّى لا يطمع بها. وأمّا قتل الغلام فكان أبواه موَمنين فعلمت أنّه إن بقي يغشى أبويه طغياناً وكفراً، ويحملهما عليهما، فأراد ربُّهما أن يهب لهما ولداً خيراً منه ديناً وطهارةً وأرحم بهما. وأمّا إقامة الجدار فلاَنّه كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزٌ مذخورٌ فأراد سبحانه أن يبلغا أشدَّهما ويستخرجا كنزهما رحمةً من ربّك. ثمّ أضاف بأنّ ما فعله لم يكن من قِبَلِ نفسه بل بأمر اللّه سبحانه. هذا هو صاحب موسى فما هو اسمه ومن هو؟ أنّه غير معلوم على وجه اليقين، ولكن شخصيّته القوية ومنزلته السامية لائحة من أفعاله البديعة فهي تعرب: أوّلاً: عن أنّه كان عالماً بعلم المنايا والبلايا، وعلم الآجال والحوادث. وكان يعلم علماً قطعيّاً بأنّ أمام السفينة ملكٌ يأخذ كل سفينة غصباً وأنّ السفينة لو أصبحت معيبةً لا يطمع بها. كما كان يعلم بأنّ الولَدَ لو بَلغَ أشدَّه، هجر الوالدين إلى الكفر والطغيان، وأنّه لو قَتَلهُ لعوَّض عنه ولداً باراً بوالديه. كما أنّه وقف على أنّ تحت الجدار مالاً مذخوراً وأنّه لو وقَعَ الجدارُ ظهر ذلك المال واستولى عليه الناس وانّه لو أقام الجدار يبقى مدة يبلغ فيها