• عدد المراجعات :
  • 1847
  • 9/30/2006
  • تاريخ :

اختبار الايمان بعيدا عن حسابات الربح والخسارة

 

  حينما خرج سيدنا وإمامنا أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) من مكة تلقاء العراق قاصداً الكوفة، توافدت عليه مجموعات من المعارضين للنظام الأموي والقاعدين عن الجهاد ضده، يتساءلون ما الذي دفع الإمام إلى الخروج في هذا الوقت ولم تنضج بعد الظروف المناسبة لخروجه ضد طاغية عصره يزيد ابن معاوية؟ وقد أجاب الإمام (عليه السلام) كل فريق باجابة مختلفة كلٌ حسب عقله وظروفه وانتمائه.

فبعض قال لهم: "بأن بني أمية شتموا عرضي فصبرت، واخذوا مالي فصبرت، فأرادوا أن يهرقوا دمي فهربت"، وقال لمجموعة أخرى بأن: "أهل الكوفة هم الذين طلبوا مني القدوم اليهم".

ولكن حينما زاره مجموعة من اصفياء الله، اجابهم بقوله: "فبما يمتحن هذا الخلق"، ان الإمام الحسين (عليه السلام) حدد لهؤلاء ـ ذوي البصائر ـ حكمة الهية لخروجه تتصل بمهمة الانبياء جميعا وبالاوصياء كلاً، لان الاوصياء هم على نهج الانبياء.

ولكن هناك أهداف وتطلعات يسعى المقربون والسابقون والصديقون الذين هم سائرون على نهج الانبياء لتحقيقها، وهذه الاهداف أعلى وأسمى من تلك الأهداف السابقة، بالرغم من مشروعيتها جميعاً.

فما الذي يستهدفه السابقون يا ترى؟

ان السابقين الصديقين لا يأبهون بحسابات الربح والخسارة السياسيتين، ولا يفكرون بأن عليهم ان يسقطوا هذا الطاغية، وان يغيروا ذلك النظام، انما يهدفون ما أمر الله، أي يريدون تحقيق ارادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته في الارض.

وهناك اهداف سياسية واخرى رسالية ينبغي على المؤمن ان يسعى لتحقيقها، وذلك لانه يريد اقامة حكم الله في الارض وازاحة حكم الطغاة وتحرير الانسان من عبودية الظالمين وبالتالي يريد الرفاه والسعادة للبشر، تلك اهداف يتطلع المؤمنون المجاهدون لتحقيقها.

وعليه فمن حكم هذا الوجود ومن حكم الله في خلق الانسان وانزاله من الجنة الى كرة التراب، وسائر الانظمة والسنن التي تحوم حول الانسان هي ابتلاء الانسان وفتنته واختبار ارادته، والله سبحانه وتعالى يقدر الليل والنهار ويقلبه ويصرف الآيات ويجري سننه على الارض بحيث يمتحن كل انسان.

والامتحانات اقسام، فقد يكون الامتحان امتحانا فرديا، كأن يبتلى الانسان بمال حرام او لذة حرام او بسلطة ومنصب حرام والفرد هو الذي يمتحن في هذا المجال، وهنالك امتحان بمستوى اعلى، هو امتحان المجتمع ككل بحيث يوضح الناس كلهم في غربال ويغربلون ليعرف من الصامد ومن المتهاوي ومن المنافق ومن الذي كانت تهويه المناصب ومن الذي كان يبحث عن الحق ومن المستقيم على الطريق ومن الذي يتساقط كأوراق الخريف يمينا وشمالا.

ربنا عز وجل حكيم يمتحن الناس جميعا، فتراهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين، وفي هذه الحالة لا يمكنك ان تقول لا اعرف ذلك، لان الله يقول لك باني قد اودعت في ضميرك عقلا لكي تميز الحق عن الباطل، ولا يمكنك ان تقول بأني كنت أخاف واخشى، لان الله عز وجل امرنا بان نخشاه هو فقط.

والقرآن الكريم يبيّن بأن الفتنة المهمة في حياة الانسان هي في هذا الاتجاه، اذ ان الانسان في اللحظات الحرجة فيما اذا اختلفت الاهواء وتناقضت المذاهب واحتار الانسان في اختيار الطريق المناسب والصحيح فلابد ان يختار الطريق الذي يأمره به امامه وقائده الديني، اي لا يبحث عمن تهويه نفسه، انما يبحث عما يأمره به دينه.

جاء في سورة النور الاية الكريمة: (انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون).

فلابد ان نتنازل عن اهوائنا وعن شهواتنا وعن ما تريده انفسنا الى ما يريده الله، اي نبحث عن القسطاس المستقيم وعن الفرقان والحجة بيننا وبين الله، والحجة هي كلام الله وسيرة الرسول وطاعة من امر الرسول بطاعته.

وهنالك من الناس من يسيرون مع الرسول (ص) ومع من هو في خطه ـ وهم العلماء العدول ـ يسيرون أنّى سارت مصالحهم، فاذا تغيرت توقفوا.

"الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحيطونه ما درّت معايشهم، فاذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون"، هذا قول ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) وهو كلام يعبر عن معاناته العميقة التي نتحسس بها تحسسا أليما، ودائما نشهد من يقسم ويحلف بأنه مع القيادة الدينية ومع الطريق الصحيح ولكن النتائج تاتي معكوسة.

ومن المعروف ان الانسان لا يمكن فصله عن ماضيه ولا يمكن ان يولد في كل يوم مرة من جديد، انما لابد ان يتاثر بالعوامل السابقة وبسلوكياته وبالعوامل الاجتماعية وبالخط الذي كان ينتمي اليه.

والقران الحكيم يقول: ان هؤلاء الذين تامرهم ثم يحلفون بأنهم يطيعونك، فاذا امرتهم بالخروج ساعة الحسم ينكلون وينكثون ويخلفون وعدهم، ان هؤلاء كانت حياتهم وخطهم ومسيرتهم معروفة، وهذا هو خط المنافقين، فالمنافقون بدورهم يتربصون الدوائر بالمؤمنين، فاذا وجدوا مؤمنا ابتلي، لا يقولون ان هذا المؤمن ابتلي وقد يكون بلاؤه صحيحا، انما تنفجر ألسنتهم واقلامهم ضد كل المؤمنين بصورة مفاجئة، ويشفون غل صدورهم ويشيعونها بين الناس.

والقرآن يشير الى أن امثال هؤلاء ينبغي معرفتهم بخطوطهم السابقة، لانه لا يمكن للانسان ان يكون لفترة طويلة في خط منحرف ثم مرة واحدة يصبح في الخط الصحيح ويدافع عن رسول الله دفاعا مستميتا، هذا في الواقع لا يدافع عن الخط الرسالي، انما يدافع عن نفسه وعن مصالحه ويريد ان يصطاد في الماء العكر.

من هنا لابد ان نستقيم ولا ننظر الى هنا وهناك، بل الى واجبنا الشرعي، وهو أن نخدم الاسلام في أي مكان كان، وبأية وسيلة، المهم هو ان نسير في الاتجاه الصحيح وان يرضى عنا الرب والبقية ليست مهمة، وحاشا ان يأمرنا بأمر فنطيعه ونتوكل عليه ويعدنا بالنصر، ثم يخلف وعده، ولو كان المؤمنون العاملون بالصالحات شجعانا متوكلين على ربهم ومطبقين هذه الآية لما بقي أثر من الكفر في الارض، ولكن المشكلة في نفوسنا، واذا ثبت الدين وتمكن في الارض واستقر وتعمقت جذوره، فإن هذا الدين سوف يكون لمصلحة العاملين في سبيل الله، فمن اعز ما يملكه الانسان واشرف نعمة واعظم كرامة له، أنه يعيش في زمن وفي ارض يعبد الله وحده، وهذه النعمة تأتي نتيجة الخوف والتضحيات.

فهل من المعقول بعد ان يسقط الله سبحانه وتعالى الطغاة ويحطم الاصنام بيد المؤمنين ويجعل الارض ارضا طيبة، يظهر اناس بدل ان يشكروا النعمة يكفروا بها، تأخذهم مذاهب الدنيا ويفكرون في مصالحهم وقضاياهم الشخصية!

ان الله سبحانه وتعالى لم يخلق الدنيا لكي يجعل اهلها يعبدون الله جبرا او كرها، انما خلق الملائكة هكذا، فهم يعبدون الله آلاف السنين في حالة ركوع وسجود، لكن الله تعالى يريد من البشر الاختبار، فعليه ان يسعى ويتحرك ويبذل الجهود لكي يحصل على حياة آمنة.

والآخرون يجب أن يمتحنوا ويفتتنوا ويبتلوا ليعرف مدى ايمانهم ومدى صدق اقوالهم، ففي حالات الرفاه ترفع الشعارات، لكن في حالة الشدة لا يعرف موقفه الواضح مع أي جهة، لماذا؟ فنحن يجب ان نجعل دائما أفق تفكيرنا أفقا ربانيا، أي من خلال نظرة إلهية، وبصيرة قرآنية، وننتبه الى حكمة الوجود.

فلا تلم الله اذا انزلقت رجلك في الطريق وأصبت بضرر وانت ذاهب الى المسجد، لان بوقعتك هذه سوف تحصل على ثواب مضاعف.

هناك مضمون حديث يقول: "عبدي المؤمن يدعوني فلا أجيبه لأول وهلة، فيقول العبد لماذا يا رب وأنت ارحم الراحمين؟ فيجيب الرب الجليل: لاني اريد ان يدعونني تكراراً ويحصل على ثواب الدنيا والآخرة".

قد يدعو الانسان ربه في حاجة والله سبحانه وتعالى يعطيه حاجته، ولكنه في المرة الثانية لا يدعوه او لا يدعوه من ضميره ومن اعماق قلبه، انما من طرف لسانه.

فاذا قلت يا الله من اعماق قلبك، فسوف تحصل ـ مثلا ـ على مدن في الجنة، بينما الله عز وجل يريدك ان تحصل على العديد من هذه المدن، فلذلك يؤخر استجابة دعائك هذا لتحصل على المزيد من فضله ونعمائه.

ان الايمان يزداد ويتعمق في حالات كهذه، والثواب في الآخرة يكثر ايضا، وميزان الحسنات يكون ارجح واثقل من ميزان السيئات وعلى المؤمن ان لا يرفض قدرا من اقدار الله عليه.

جاسم محمد

فوائد الايمان بالله على حياتنا

الإيمان بالله.. هو الدواء الشافي

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)